قراءة في كتاب | رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي
دوما ما تقدم لنا الكتب القديمة قيمة وجدانية تترجم شئ أنساني كان يسكننا ذات يوم، صفحات كل كتاب عالم منفرد بأحداثه وناسه وتفاصيل حياتيه لم نحياها معهم وإن كنا سافرنا إليها عبر سطور الكتاب التى تعلمنا قيمة وتغرس بداخلنا مبدأ، من تلك الكتب التي أبحرت خلالها مسافرة إلى زمن بعيد كبعد كل جميل عن عالم نحياه الآن كتاب “الأرض” للكاتب القدير الأستاذ
“عبد الرحمن الشرقاوي” ذلك الكتاب الذي نقل من خلال صفحاته حياته وكيف كانت ؟! وكيف عاشها بين أهل قريته وتأثر بهم وعاشوا فى حياته رغم سفره ومغادرته لبلده كى يتم تعليمه في المدينة.
أوضح الكاتب كيف أن الإنسان قديما كان يرتبط بأرضه أرتباط وثيق وكأنها جذوره التى تجعل له وجود ودونها لا كيان له ، تمثل هذا الحب الفطري من خلال شخصية “محمد أبو سويلم” ذلك الرجل الكبير صاحب الهيبة والمكانة بين أهل بلدته ليس لسلطة يحتلها أو مال يمتلكه بل لكونه مثال للراجل الحكيم العالم بكل ما يجرى حوله ، امتلك بطيبته وقلبه من حوله فباتوا رهن إشارته، كما هو الحال مع شخصية عبد الهادي الشاب القوي الذي تعلم حب الأرض وتقديم المساعدة لمن حوله مع باقى شخصيات الكتاب ما بين وصيفة التي ترمز إلى مصر والعمدة المتسلط المتحكم فى أمور الناس حوله لكونه صاحب سلطة تتحكم به حيث جعلت منه مجرد آلة تنفذ ما يمليه عليه رؤسائه، يكشف لنا الكاتب طبيعة النفس البشرية التى تتأثر بطيب العشرة مهما كان وضعها وما فرضته عليها الظروف مثل “عبد الله” الضابط السودانى الذى كان ينفذ أوامر الحكومة ضد الفلاحين لكنه مع الأيام وما رأه منهم صار واحد من نفس النسيج ، يدافع عنهم ويرفض تنفيذ الأوامر التى توجه له ضدهم، لم ينسى الكاتب أن يوضح دور الشخص المتعلم من خلال شخصية “محمد أفندي” الذي كان يحمل شكاوى الفلاحين ويسافر بها إلى المسئولين يعرضها عليهم .
كان هناك شئ موجود و متأصل داخل الجميع رغم صعوبة العيش وفقر الحال ألا أن القناعة كانت تتخلل كل شبر فى حياتهم.
رواية “الأرض” قدمت لنا مدى تعلق الأشخاص بأوطانهم مهما كانت قسوتها عليهم والتى اشار إليها الكاتب في صورة الأرض التي كانت تحيا داخل أرواحهم مما جعلهم يتقبلون أى شئ وكل شئ ما عدا تقبلهم فكرة التضحية بذرة تراب منها ، لا ننسى من خلال قراءة الكتاب عرض صورة شيخ المسجد وعالم الأزهر الذى يراه الجميع قدوة ومثل يحتذى به ، يحترمونه ويقدرونه ، تشعر أن هذا العمل كتلة متماسكة مترابطة يُكمل ابطالها بعضهم بعضا ، يقدمون لنا صورة كاملة دون نقص وكأن كل شخص بتلك الرواية بطل فى دوره وما يقدمه وعدم وجوده يجعل هناك خلل فى الأحداث
رغم مرور السنون على هذا العمل الذى تحول إلى عمل سينمائي إلا أنه ما زال يتمتع بمكانته الأدبية والفنية التى يحترمها كل ناقد ومثقف لم تركه من بصمة واضحة سجلت أسمه فى قائمة أفضل مائة عمل سينمائي ومن قبله برهن على أنه عمل أدبي متكامل البناء رائع التفاصيل
مقال بقلم الكاتبة صفا غنيم
كل الشكر على المقال المميز