موقع الكتابة الأنيقة

يقدم موقع الكتابة الأنيقة حوارات مع كتاب موهوبين، ومقالات لمناقشة الأدب والقضايات التي تهمنا، ومراجعات روايات، مع تقديم إعلانات للأعمال الأدبية وإصدارات الكتاب المهوبين

إعترافات جون جاك روسو

رأي في كتاب إعترافات جون جاك روسو

رأي في كتاب إعترافات جون جاك روسو

 

اعترافات جان جاك روسو هو كتاب سيرة ذاتية استحوذ على انتباه القراء لعدة قرون. كتبه الفيلسوف والكاتب والملحن السويسري جان جاك روسو ، وتعتبر هذه الإعترافات من أهم الأعمال في تاريخ الأدب. وفي هذه المراجعة، سوف ندخل إلى روسو واعترافاته، ولن نحللها فلسفيا ولا فكريا بقدر ما يهمنا تعريف القارئ بهذا العمل الراقي الذي يستحق القراءة.

موضوع الكتاب وأسلوبه ورأي سريع حوله

تعتبر اِعترافات روسو تحفة أدبية قيّمة، وتعد واحدة من الأعمال الأكثر تأثيرا في القرن الثامن عشر. فقد قدم جون جاك روسو كتابه بأسلوب السيرة الذاتية التي قال عنها في كتاب آخر “هواجس المنتزه” أنها متعته الوحيد وقت المؤامرة التي تعرض لها من أصدقائه، كتب هذا العمل الرائع بأسلوب سردي رائع يحمل من المشاعر ما يشعرك أن كاتبه يمسح الحروف بقلبه ومشاعره؛ فكان السرد شديد النقاء والرقة ، فتحدث بكثير من الشجن عن طفولته وعن علاقاته. وقد قدم روسو بجرأة مجموعة من الإعترافات حول علاقاته العاطفية. وبعض الأخطاء التي رأى أن يحرر نفسه منها ، حتى يسمح للقارئ بالتعرف عليه دون شوائب؛ لإلقاء نظرة صادقة على أفكاره وكتبه ومشاعره، إضافة إلى دروسه في الحياة التي كما قال أتت متأخرة.

 

رأيي في كتاب إعترافات روسو

لا أخفي أني أعتبر الإعترافات ضمن قائمة أفضل خمس كتب قرأتها في حياتي، وهذا بسبب الشجن البالغ الذي كنت أشعر به وأنا أتابع قصة روسو، وبقيت متأثرا بكل ما يحكيه، بل هذا الكتاب كان من الكتب القليلة التي تأخذ مني شهرا من الزمن لأكملها حيث كنت أبطئ بشكل كبير أثناء قراءة كل كلمة وكل موقف قدمه روسو.
فقد أسرني روسو بأسلوبه الرقيق في الكتابة ، حيث استخدم لغة معبرة دون تصنُّع، فكانت كله جمله تصل لقلبي وتؤثر فيا. لأن وصفه لتجاربه وحياته كان صريحا. وأنا على يقين أن أي قارئ للأدب سيجد هذا الكتاب كنزا لا يقدر بثمن.

قدم روسو نفسه في هذه الإعترافات كإنسان عادي، تحرر من كل الألقاب وتجرد من كل شيء قد يعطيه ميزة يستغلها للكذب، فعرفنا على حياته كما هي، فقدم لنا شخصيته الساذجة التي تمر بمواقف حيث تجد نفسها معقودة اللسان ليشك الحاضرون في حقيقتها، بل قدم تجاربه الفاشلة في التلحين بشكل ساخر واعترف بأن بدايته كانت كارثية.

بدأ روسو إعترافاته عن طفولته ليقدم لنا ذلك الصبي الذي تلقى تربية أخلاقية من أسره لطيفة، أخذته لعالم الرقة وكونت منه إنسانا محترما نقيا، وعلى الرغم من غياب والدته إلا أن والده كان يؤدي دوره كما قال روسو بشكل جيد، ولكن الحياة لابد أن تصفع الإنسان ليحيد عن الطريق، فبدأت حياة هذا الصبي تأخذ مناحي عديدة، بين العمل لدى صانع والتي حولته لشخص يلذ له السرقة دون تأنيب، مرورا بالعيش مع قس وأخد العلم منه برفقة إبن عمه الذي شاركه تلك الفترة كتوأم وامتدت تلك العلاقة حتى فرقت الظروف بينهم، وصولا لمرحلة التحرر وبناء شخصيته، حيث انتقل للعيش مع سيدة كان يسميها في اعترافاته “ماما”
وقد كان حديثه عنها شديد الغرابة مولعا بالحب والشهوة، والإحترام والرغبة في أن تكون رفيقته، ولكن هذه الأحلام التي أشرك تلك السيدة فيها لم تكن خاضعة لشروط الزمن، وفي النهاية افترقا وقد وصف روسو هذا الفراق بأسلوب يبكي الحجر. بعدها وصف تلك العلاقة الرقيقة التي جمعتهم بشكل بارع.

وماذا بعد يا روسو

حين سافر جون جاك روسو لتولي أول منصب له بدأت الحياة تعرف منحى مختلفا، وصارت علاقاته تزيد وتتشعب، تلك العلاقات التي قال عنها بأنها تحولت لمؤامرة ضده، تسبّبت في أمرين أولهم قبيح والآخر جميل، فكان الأول نفيه من فرنسا والثاني تأليفه للإعترافات التي لولا هذا النفي ربما ما كنا لنتحدث عنها الآن. ورغم ذلك فقد بقي روسو متشككا في إمكانية وصول هذه الإعتراف للأجيال القادمة خشية اتلافها من قبل المتآمرين، بل وفي كتابه “هواجس المنتزه” قال بأنه خشي أن يتم تحريف أعماله لتشويه صورته. بل أضاف أنه يشك بأن هناك أعمالا أخرى ستنسب إليه وهي لا تمث له بصلة.

وفي اعتقادي أن قراءة الإعترافات تستوجب قراءة باقي كتبه. للتعرف على هذا الرجل الذي قدّم لنا أهم كتاب مازال يدرس في أعرق الجامعات، وهو العقد الإجتماعي، ومعرفة هذه الحياة البائسة التي وصل لها والتي قدمها لنا على شكل اعترافات حزينة.

عند نقطة معينة أصبح روسو مهددا، بل وصل في أحد الفترات حسب إعترافاته أن الناس كانت ترميه بالحجارة. وقد كادت إحداها أن تؤدي بحياته والتي سافر بعدها لبلد آخر. ورغم كل تلك المعاناة نجد روسو مؤمنا بأن اختياره بالتخلي عن تلك المدنية وعن كل إغراءات الحياة من مال وملابس حريرية هو خيار صائب، وقد قال أن على الإنسان أن يعمل بما ينصح الناس به، وألا يكون مجرد مدّعي يكتب من أجل الربح. بينما لا يطبق ما جاء في كتبه، وهذا الكلام يجعلنا نفهم سبب معاناة روسو، هذه المعاناة التي أصلها شخصيته الراغبة في العيش باستقرار نفسي وأن تكون متصالحة مع الذات بشكل لم يسمح به أي زمن حتى اليوم، فالحياة تفرض على الإنسان الكذب وخوض صراعات زائفة بل والإعتداء على الناس ليحصل على مصالح زائلة.

وقد كان روسو مسحورا بالفضيلة سحرا دفعه لخوض خلاف تحدث عنه في اعترافاته مع فولتير، وخلافات أخرى كثيرة ساعدت في مكائد حيكت ضده، ورغم إحاطة عِلية القوم من ملوك ونبلاء به ودعمهم له، إلا أن تلك الإحاطة كانت تنتهي بمكيدة يجد روسو نفسه بعدها مجبرها على الرحيل كي لا يتخلى عن مبدأ من مبادئه الفاضلة.

 

هل روسو كان فعلا فاضلا؟

من أكثر ما أثارني وأنا اقرأ الإعترافات، بعيدا عن الحياة الرومنسية البائسة لروسو، كان تخليه عن أبناءه، وقد اعترف بأن له أكثر من إبن سلمه للملاجئ، وهذه هي أكبر نقطة سواد في حياة روسو، وأكبر خطأ يعترض مع تلك الفضيلة التي يحاول عيشها.

 

قبل الختام

كتقييم عام للكتاب، أرى النصف الأول جاء بشكل شديد الجمال، ولكن النصف الثاني كانت بدايته غير جيدة؛ أو ربما أتت جافة لا تحمل تلك الشاعرية التي كانت في البداية، غير أنه سرعان ما عاد لها ليختم الكتاب بشكل جميل.

لست هنا لتقييم روسو وإبداء رأيي في صحة ما جاء به ولا في أخلاقه فكلنا بشر يا صديقي، ولكن ما يعنيني هو أني شديد الإعجاب بأسلوبه في الكتابة، وأرى أن هذا الكتاب رائع للغاية ويستحق أن نتحدث عنه، وأن نعيد قراءته أكثر من مرة.

هل أرشحه للقارئ

نعم، بكل تأكيد أعتبر هذا الكتاب في أول قائمة الترشيحات التي أرجوا أن يطلع عليها الجميع، فهذه الإعترافات مميزة كموضوع، وقد كتبت بأسلوب جميل للغاية، وبها الكثير من التفاصيل التي على القارئ أن يطلع عليها

إدعمنا بمشاركة المقال

6 thoughts on “رأي في كتاب إعترافات جون جاك روسو

  1. روسو كان من الناس القلة الذين يسمحون للآخرين بالتطلع للجانب المظلم من حياتهم، فقد كتب ما كتب متجاهلاً ما سيجره عليه من عواقب
    كتاب جيد

  2. روسو كان من الناس القلة الذين يسمحون للآخرين بالتطلع للجانب المظلم من حياتهم، فقد كتب ما كتب متجاهلاً ما سيجره عليه من عواقب
    كتاب جيد

  3. الكتاب قريته وكان فعلا كتاب جميل جدا، وصدمني حجات كثير فيه زي الولد اللي “ضايقه” في الكنيسة بدون ما نشرح أكثر، والغريب إن روسو اعترف بالقصة بدون ما يشعر إنها بتقلل منه أو تشوه صورته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *