حوار مع الكاتبة تسنيم الحبيب | إعداد وتقديم أ. سفيان ل
1- عرفينا بنفسيك
هذه البداية إذن !
مواجهة السؤال الأصعب ، أبقى طيلة حياتي أبحث عن أعين صحيحة و مرايا صريحة لتعريف الذات ، لكن يبقى أن أعرف من نفسي أني قارئة ، تسحرني العبارة و يحفزني مضمومنها على السؤال ، ثم كاتبة تحاول أن تفهم لغز الكتابة .
2- حدثينا عن بدايتك في الكتابة ومن الكتّاب الذين أحببت القراءة لهم ؟
بدأت الكتابة مبكرا جدا ، أتذكر أني كتبت ما يشبه القصيدة في عمر السابعة جراء تأثري بقضية الغزو الذي جرى على الكويت ، بعدها و على امتداد مراحل الدراسة كتبت قصصا لازلت أحتفظ بمسوداتها ، و نشرت في المرحلة الثانوية روايتان على حلقات في مجلة صوت الخليج بعنوان : العودة – لحظات الغروب ، غير أن المحاولات السالفة كانت أشبه بمحاولات هاوٍ يتعرف على حروفه الأولى .
أعتبر كتابتي الجادة تشكلت بعد تعرفي على المنصات الأدبية الأفتراضية إذ كانت مع ذخيرة القراءة الورقية تعطي تجارب جميلة بحيث أصبحت في تعالق دائم مع تجربتي ( الكتابة و النقد ) ، و هذا ما فتح عيني على أصوات أدبية عربية ممتدة و غير محصورة في نطاق المحلية .
أما تأثري المبكر فكان لكتاب مثل : طه حسين و المنفلوطي و الشريف الرضي و إليا أبي ماضي و جنة القريني، و قد انعكس ذلك التأثير على لغتي المستغلقة آنذاك ، ثم تأثرت ما بعد سنوات النضج بالتجارب الحديثة ، ذلك التأثير الذي يُثريك و لا يستلبك و يبقيك في قوالب مُكررة ، أستطيع القول أني تأثرت بكل كاتب قرأت له ، لكني أميل إلى تجربة الكاتبة الكويتية بثينة العيسى التي أثرت كثيرا في جيلي و قدمت من خلال منصة تكوين العديد من الورش مُثرية تجربة الكتابة بشكل عام .
3- دائما ما نرى النتيجة ونظن أن الأمر سهل، ولكن كل نجاح يتم بعد جهد وتعب وتجربة وربما ألم، لو أردنا التعلم من تجربتك، ماهو أهم درس يمكن للكاتب المبتدئ أن يضعه أمامه كي لا يحيد عن هدفه.
أعتقد أن الدرس الأهم هو نبذ اليأس ، و معرفة مالذي تريده في مكابدات الكتابة ؟ العديد يكتب بآمال عالية ثم يواجه صدمة الواقع المتمثلة بقلة تداول عمله ، أو إحساسه بأن نصه مُهمل ، و هذا الإحساس يأكل من قلبه و عزمه فتنطفئ جذوة عطائه ، بالنسبة لي واجهت ذلك مرارا ، كتبت كتبا ربما قرأها قارئ وحيد ! لكن ذلك لم يثنيني عن الاستمرار ، كنت أقول لنفسي أن الكتابة غاية بحد ذاتها ، و إنجاز النص بعد إعطائه حقه هو بُلغة كاملة .
4- السقوط من جنة الأسماء، عنوان رائع ومعبر، ولكن حدثينا على القصة وراء قرار كتابة هذه الرواية.
الحقيقة أني مشغولة جدا بقضية الكويتيين البدون ، و كلما أنهيت نصا قصيرا يدور حول القضية أو نصا طويلا أشرت به إليها ، لم يشعرني ذلك بالإشباع . كنت أشعر أن لدي المزيد لقوله ، و رغم أن الساحة الأدبية الكويتية قدمت هذه القضية عبر نتاجات الراحل إسماعيل فهد إسماعيل و الراحل ناصر الضفيري و مؤخرا عبر رواية عبد الله الحسيني ، رغم كل ذلك الإثراء كانت الحكايا و أصوات الشخصيات تعمر رأسي ، فبدأت حينها بكتابة الرواية غير عابئة بصناعة الجديد إنما مُخلصة فقط لمعاناة تلك الشريحة و ما يدور في الحيوات المُهمشة .
5- حدثينا عن كواليس كتابة الرواية، وكم أخذت من الوقت لترى النور، وهل فكرت أن الموضوع قد يأخذ بشكل سياسي ضيق، أو يفهم بشكل غير صحيح مما يسبب لك بعض المتاعب؟
كتبت الرواية خلال سبع سنوات ، مع تعالق مُستمر ، بحثت في تلك الفترة عن شخصيات تشبه أبطال الرواية ” بدون لأم كويتية ” يعيشون التناقض بين عالم الكويتيين و عالم البدون ، ثم عثرت على بُغيتي ، صرت أستمع لهم و أبعث لهم الأسئلة بصورة مستمرة لأبدأ بتشكيل معالم الرواية ، بعدها صرت أنقب في طبيعة المكان الروائي إذ أن الشخصية تخوص رحلها تجبرها على التنقل من مكان لآخر ، فلما تهيأ خط الزمان و فهمت الدفق المكاني بدأت أرتبه بمقتضى الحكاية ، حكاية بطلي الرواية ( مجاب و خولة ) ، عبر صوتين سرديين حاولت كثيرا أن يكون لكل منهما نبرته الخاصة .
بالنسبة للخوف ، سأكون صريحة و أؤكد أني لم أخف ، الخوف مقبرة الإبداع ، و قد يكون أحيانا مُحفزا له ، حينما نخاف قد نموّه ما نكتب و نرسم و نجره إلى زوايا التأويل . و ماكان في الحقيقة أني كتبت الرواية دون التفكير في الأثر السياسي ، ربما لأن ما كتبت لا يعد سوى إعادة كتابة لما يجري في العلن .
6- هل هناك موقف كتبته في روايتك وشعرتِ أنه يعبر عنك بشكل خاص ؟
نعم .. قد أنفصل تماما عن نفسي حين أنصت لما تقوله الشخصية ، أعتمر وعيها الخاص ، و أفكر بحدود تجربتها ، و ليس في ذلك فلسفة ما .. غير أني أدرك أن بعض المواقف التي أكتبها تعبّر عني بخصوصية ، أو تقترب من ذلك .
7- هل مازال للأدب دور في تشكيل الوعي وإصلاح المجتمع ؟
هذا يقودنا لسؤال آخر : لماذا نكتب ؟
حسنا أنا أعتقد أن الأدب يشبه قطرات الماء المُستمرة على صخرة ، سيأتي يوم ما ، يوم حتمي و تجد أن الأدب استطاع أن ينحت أطراف الواقع ، يدشن فكرة ، أو يُدير الأعناق إليها ، أو يحرّض الوعي على قبولها أو نقدها أو نبذها حتى .
8- الآن بعد دخول الذكاء الصناعي سيكون من السهل كشف السرقات الأدبية عبر التاريخ كله من خلال قواعد البيانات للأدب العالمي، هل تعتقدين أن هذا سيكون إيجابي وسيعطي لبعض المنسيين حقهم، أم أننا سندخل دوامة جديدة لا يمكن توقع عمقها؟
أظن أننا سنواجه الوجهين معا ، و هذا ما تفعله التكنولوجيا دائما .
9- هل تتابعين الأعمال الحديثة بالأخص ما يقدمه الشباب، وما رأيك فيها إن كانت الإجابة بنعم؟
نعم .. أحرص على متابعة الأعمال الحديثة .. لدي في ذلك تقنية ما .
البعض يعتبر القراءة للمبتدئين مجازفة أو مضيعة للوقت ، بالنسبة لي أحب التجارب الجديدة ، أشعر أنها تعطيني عينا ناقدة ، لكني أعطي الكاتب – أي كاتب – فرصتين قرائيتين حتى لا أُخذل بعدها .
و مع هذا فالنتاج الشاب أو لنقل التجارب الأولى متفاوتة في المتانة ، هنالك نصوص تُعلن عن خوائها و هناك أخرى مبهرة و غيرها مُبشرة .
10- في النهاية نترك لك كامل الحرية لتقديم أي فكرة تشغلك في الساحة الأدبية أو موضوع ترينه يستحق الطرح.
أحب أن أشكركم ، ممتنة لكم جدا ..
ربما ما يشغلني الآن هو محاولة إعمار المكتبة العربية بإصدارات تحاور الناشئة ، و تقديم تجارب جادة تواكب المكتبة الأجنبية .